responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 17  صفحه : 236
وَالْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ: بَغْيُكُمْ عَلى أَنْفُسِكُمْ بَغْيُ بَعْضِكُمْ عَلَى بَعْضٍ كَمَا فِي قَوْلِهِ: فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ [الْبَقَرَةِ:
54] وَمَعْنَى الْكَلَامِ أَنَّ بَغْيَ بَعْضِكُمْ عن بَعْضٍ مَنْفَعَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا بَقَاءَ لَهَا. وَالثَّانِي: أَنَّ قَوْلَهُ بَغْيُكُمْ مُبْتَدَأٌ، وَقَوْلَهُ: عَلى أَنْفُسِكُمْ خَبَرُهُ، وَقَوْلُهُ: مَتاعَ الْحَياةِ الدُّنْيا خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ، وَالتَّقْدِيرُ: هُوَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا. وَأَمَّا الْقِرَاءَةُ بِالنَّصْبِ فَوَجْهُهَا أَنْ نَقُولَ: إِنَّ قَوْلَهُ: بَغْيُكُمْ مُبْتَدَأٌ، وَقَوْلَهُ: عَلى أَنْفُسِكُمْ خَبَرُهُ، وَقَوْلَهُ: مَتاعَ الْحَياةِ الدُّنْيا فِي مَوْضِعِ الْمَصْدَرِ الْمُؤَكِّدِ، وَالتَّقْدِيرُ: تَتَمَتَّعُونَ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: الْبَغْيُ مِنْ مُنْكَرَاتِ الْمَعَاصِي
قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «أَسْرَعُ الْخَيْرِ ثَوَابًا صِلَةُ الرَّحِمِ، وَأَعْجَلُ الشَّرِّ عِقَابًا الْبَغْيُ وَالْيَمِينُ الْفَاجِرَةُ»
وَرُوِيَ «ثِنْتَانِ يُعَجِّلُهُمَا اللَّه فِي الدُّنْيَا الْبَغْيُ وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ»
وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا: لَوْ بَغَى جَبَلٌ عَلَى جَبَلٍ لَانْدَكَّ الْبَاغِي. وَكَانَ الْمَأْمُونُ يَتَمَثَّلُ بِهَذَيْنِ الْبَيْتَيْنِ فِي أَخِيهِ:
يَا صَاحِبَ الْبَغْيِ إِنَّ الْبَغْيَ مَصْرَعَةٌ ... فَارْبِعْ فَخَيْرُ فِعَالِ الْمَرْءِ أَعْدَلُهُ
فَلَوْ بَغَى جَبَلٌ يَوْمًا عَلَى جَبَلٍ ... لَانْدَكَّ مِنْهُ أَعَالِيهِ وَأَسْفَلُهُ
وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ: ثَلَاثٌ مَنْ كُنْ فِيهِ كُنَّ عَلَيْهِ، الْبَغْيُ وَالنَّكْثُ وَالْمَكْرُ، قَالَ تَعَالَى: إِنَّما بَغْيُكُمْ عَلى أَنْفُسِكُمْ.
الْمَسْأَلَةُ الثالثة: حاصل الكلام في قوله تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّما بَغْيُكُمْ عَلى أَنْفُسِكُمْ أَيْ لَا يَتَهَيَّأُ لَكُمْ بَغْيُ بَعْضِكِمْ عَلَى بَعْضٍ إِلَّا أَيَّامًا قَلِيلَةً، وَهِيَ مُدَّةُ حَيَاتِكُمْ مَعَ قِصَرِهَا وَسُرْعَةِ انْقِضَائِهَا ثُمَّ إِلَيْنا أَيْ مَا وَعَدْنَا مِنَ الْمُجَازَاةِ عَلَى أَعْمَالِكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَنُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ فِي الدُّنْيَا، وَالْإِنْبَاءُ هُوَ الْإِخْبَارُ، وَهُوَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ وَعِيدٌ بِالْعَذَابِ كَقَوْلِ الرَّجُلِ لِغَيْرِهِ سَأُخْبِرُكَ بِمَا فَعَلْتَ.

[سورة يونس (10) : آية 24]
إِنَّما مَثَلُ الْحَياةِ الدُّنْيا كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعامُ حَتَّى إِذا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَها وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُها أَنَّهُمْ قادِرُونَ عَلَيْها أَتاها أَمْرُنا لَيْلاً أَوْ نَهاراً فَجَعَلْناها حَصِيداً كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (24)
فِي الْآيَةِ مَسَائِلُ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: اعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا قال: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّما بَغْيُكُمْ عَلى أَنْفُسِكُمْ مَتاعَ الْحَياةِ الدُّنْيا [يونس: 23] أَتْبَعَهُ بِهَذَا الْمَثَلِ الْعَجِيبِ الَّذِي ضَرَبَهُ لِمَنْ يَبْغِي فِي الْأَرْضِ وَيَغْتَرُّ بِالدُّنْيَا، وَيَشْتَدُّ تَمَسُّكُهُ بِهَا، وَيَقْوَى إِعْرَاضُهُ عَنْ أَمْرِ الْآخِرَةِ وَالتَّأَهُّبِ لَهَا، فَقَالَ: إِنَّما مَثَلُ الْحَياةِ الدُّنْيا كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ وَهَذَا الْكَلَامُ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ بِسَبَبِ هَذَا الْمَاءِ النَّازِلِ مِنَ السَّمَاءِ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ إِذَا نَزَلَ الْمَطَرُ يَنْبُتُ بِسَبَبِهِ أَنْوَاعٌ كَثِيرَةٌ مِنَ النَّبَاتِ، وَتَكُونُ تِلْكَ الْأَنْوَاعُ مُخْتَلِطَةً، وَهَذَا فِيمَا لَمْ يَكُنْ نَابِتًا قَبْلَ نُزُولِ الْمَطَرِ. وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مِنْهُ الَّذِي نَبَتَ، وَلَكِنَّهُ لَمْ يَتَرَعْرَعْ، وَلَمْ يَهْتَزَّ وَإِنَّمَا هُوَ فِي أَوَّلِ بُرُوزِهِ مِنَ الْأَرْضِ وَمَبْدَأِ حُدُوثِهِ، فَإِذَا نَزَلَ الْمَطَرُ عَلَيْهِ، وَاخْتَلَطَ بِذَلِكَ الْمَطَرِ، أَيِ اتصل كل واحد منهما بالآخرة اهْتَزَّ ذَلِكَ النَّبَاتُ وَرَبَا وَحَسُنَ، وَكَمُلَ وَاكْتَسَى كَمَالَ الرَّوْنَقِ وَالزِّينَةِ، وَهُوَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: حَتَّى إِذا أَخَذَتِ الْأَرْضُ/ زُخْرُفَها وَازَّيَّنَتْ وَذَلِكَ لِأَنَّ التَّزَخْرُفَ عِبَارَةٌ عَنْ كَمَالِ حُسْنِ الشَّيْءِ فَجُعْلَتِ الْأَرْضُ آخِذَةً زُخْرُفَهَا عَلَى التَّشْبِيهِ بِالْعَرُوسِ إِذَا لَبِسَتِ الثِّيَابَ الْفَاخِرَةَ مِنْ كُلِّ لَوْنٍ، وَتَزَيَّنَتْ بِجَمِيعِ

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 17  صفحه : 236
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست